الزيارات:
تخيير الأنبياء عند الموت

مرسلة بواسطة روح و ريحان يوم 0 التعليقات




روى البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من نبي يمرض إلا خيّر بين الدنيا والآخرة. وكان في شكواه الذي قبض فيه أخذته بُحّة شديدة فسمعته يقول: مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ [ النساء: 69]، فعلمت أنه خُيّر)) .
وعنها رضي الله عنها قالت: ((كنت أسمع أنه لا يموت نبي حتى يخيّر بين الدنيا والآخرة، فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه، وأخذته بُحّة، يقول: مع الذين أنعم الله عليهم الآية، فظننت أنه خيّر)) .
وفي رواية عنها قالت: ((لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم المرض الذي مات فيه جعل يقول: في الرفيق الأعلى)) .
وفي رواية أخرى قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صحيح يقول: إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة، ثم يُحيّا، أو يُخيّر فلما اشتكى وحضره القبض ـ ورأسه على فخذ عائشة ـ غشي عليه، فلما أفاق شخص بصره نحو سقف البيت، ثم قال: اللهم في الرفيق الأعلى. فقلت: إذاً لا يختارنا، فعرفت أنه حديثه الذي كان يحدّثنا وهو صحيح)) .
فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم ((ما من نبي يمرض إلا خُيّر بين الدنيا والآخرة)): أي خيره الله تعالى بين الإقامة في الدنيا والموت؛ لتكون وفادته على الله وفادة محب مخلص مبادر، ولتقاصُر المؤمن عن يقين النبي صلى الله عليه وسلم تولى الله الخيرة في لقائه؛ لأنه وليه، ألا ترى إلى خبر ((ما ترددت في شيء ترددي في قبض روح عبدي المؤمن)) ، ففي ضمن ذلك اختيار الله للمؤمن لقاءه؛ لأنه وليه، يختار له فيما لا يصل إليه إدراكه...) .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ((خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وقال: إن الله خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله. قال: فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله عن عبد خيّر، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخيّر، وكان أبو بكر أعلمنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوّة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سدّ إلا باب أبي بكر)) .
قال ابن حجر: (فهم عائشة من قوله صلى الله عليه وسلم: ((في الرفيق الأعلى)) أنه خيّر، نظير فهم أبيها رضي الله عنه من قوله صلى الله عليه وسلم ((إن عبداً خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده)) أن العبد المراد هو النبي صلى الله عليه وسلم حتى بكى) .
وقال بدر الدين العيني ت855هـ: ((قول (خُيّر) على صيغة المجهول: أي خيّر بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة صلى الله عليه وسلم)) .
هذه الأحاديث الصحيحة تدل على أنه ما من نبي يمرض إلا خُيّر بين البقاء في الحياة الدنيا والموت.
وقد ثبت أن ملك الموت عليه السلام جاء إلى موسى عليه السلام فخيره بين الموت والحياة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((جاء ملك الموت إلى موسى، فقال له أجب ربك، قال: فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها، قال: فرجع الملك إلى الله عز وجل، فقال: إنك أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت، وقد فقأ عيني، قال: فردّ إليه عينه، قال: ارجع إلى عبدي فقل له: الحياة تريد؟ فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور فما وارت يدك من شعرةٍ فإنك تعيش بها سنة، قال: ثم مه؟ قال: ثم تموت، قال: فالآن من قريب، قال: ربّ أدنني من الأرض المقدسة رمية بحجر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أني عنده لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر)) .
هذا الحديث ثابت، وقد أنكره بعض المبتدعة قائلين: إن كان موسى عليه السلام عرفه فقد استخف به، وإن كان لم يعرفه فلماذا لم تقتص له من فقء عينه؟
قال بعض أهل العلم: إن الله لم يبعث ملك الموت لموسى، وهو يريد قبض روحه حينئذٍ، وإنّما بعثه إليه اختباراً، فلطمه موسى عليه السلام لأنه رأى آدمياً داخل داره بغير إذنه، ولم يعلم أنه ملك الموت، فقد جاء في رواية ((كان ملك الموت يأتي الناس عياناً فأتى موسى فلطمه...)) ، وقد جاءت الملائكة إلى إبراهيم وإلى لوط في صورة البشر فلم يعرفاهم ابتداء، وقد أباح الشارع فقء عين الناظر في دار المسلم بغير إذنه، كما جاء في الحديث: ((من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم حل لهم أن يفقؤوا عينه)) ، وعلى فرض أنه عرفه فلا دليل على مشروعية القصاص بين الملائكة والبشر، ولا دليل على أن ملك الموت طلب القصاص من موسى فلم يقتص له، ثم رد الله عين ملك الموت ليعلم موسى أنه جاءه من عند الله فلهذا استسلم حينئذ .
ونقل النووي أنه لا يمتنع أن يأذن الله لموسى في هذه اللطمة امتحاناً للملطوم .
وقال ابن حجر: (وقال غيره -أي غير النووي-: إنما لطمه؛ لأنه جاء لقبض روحه من قبل أن يخيره، لما ثبت أنه لم يقبض نبي حتى يخير، فلهذا لما خيره في المرة الثانية أذعن، قيل: وهذا أولى الأقوال بالصواب، وفيه نظر؛ لأنه يعود أصل السؤال، فيقال: لم أقدم ملك الموت على قبض نبي الله وأخل بالشرط؟ فيعود الجواب أن ذلك وقع امتحاناً، وزعم بعضهم أن معنى قوله (فقأ عينه) أي أبطل حجته، وهو مردود بقوله في نفس الحديث (فرد الله عينه)، وبقوله (لطمه وصكّه) وغير ذلك من قرائن السياق...، ورد الله إلى ملك الموت عينه البشرية؛ ليرجع إلى موسى على كمال الصورة، فيكون ذلك أقوى في اعتباره) .
وكذا ذكر المناوي ت1031هـ أن موسى عليه السلام لطم موسى عليه الصلاة والسلام لما جاءه؛ لكونه لم يخير قبل ذلك .

ساهم في نشر الموضوع للفائدة:

google+

linkedin

تعليقات
0 تعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق